السيارات الكهربائية أصبحت موضوعًا مثيرًا للجدل في العديد من الدول العربية وايضا على منصات التواصل الاجتماعي ، بسبب مجموعة من العوامل التي اثارت النقاش وقسمته بين مؤيدين ومعارضين.
حيث يرى المؤيدين انها تحافظ على البيئة ومقتصدة في التكاليف على المدى البعيد وتقلل من الاعتمادية على النفط وانها تعكس التوجه نحو المستقبل ، ويرى المعارضين ان البنية التحتية لهذه السيارات محدودة وان تكلفة الشراء مرتفعة والقلق بشأن مدى القيادة للرحلات الطويلة .
ليس الهدف من كتابة هذه المقالة اثبات ايهما افضل من الآخر؛ ولكن الهدف من هذه المقالة هو تحليل معوقات انتشار السيارات الكهربائية في مصر من زوايا مختلفة قد لايتطرق احد بذكرها ، ونناقش أبعادها المختلفة وبحيادية تامة بهدف فهمها بشكل أعمق وماهو مؤشر النجاح او كلمة السر في انتشار السيارات الكهربائية وغلق ملف الجدال.
عند اتخاذ قرار بشراء اي سيارة بتخضع لعاملين اثنين كل منهما يؤثر على الآخر :وهما
1- العامل الأول : السلوك النفسيولكن أيهما الأول في التأثير؟ أنها أشبه بمعضلة البيضة أولا ام الدجاجة؟
1- العامل الأول : السلوك النفسيالسلوك النفسي هو العامل الاكبر والأقوى تأثيرا ويحظى بنصيب الأسد ؛ فالسلوك النفسي هنا لاتخاذ قرار شراء اي سيارة كهربائية ام تقليدية يخضع لنظرية الدليل الاجتماعي social proof الذي قدمها عالم النفس الأمريكي روبرت سيالديني Robert Cialdini
نظرية الدليل الاجتماعي هو مفهوم في علم النفس يشير إلى ميل الناس لاتباع سلوكيات أو قرارات الآخرين عندما يواجهون حالة من عدم اليقين أو عندما يكونون غير متأكدين من القرار الصحيح.
و قام بتطوير هذا المفهوم كجزء من دراسته عن التأثير والإقناع في كتابه الشهير التأثير: سيكولوجية الإقناع Influence: The Psychology of Persuasion الذي نُشر عام 1984.
ومن الامثلة على تجربة الدليل الاجتماعي هي تجربة المناشف:
في أحد الفنادق، أراد الباحثون معرفة ما إذا كان بإمكانهم تشجيع الضيوف على إعادة استخدام مناشف الحمام بدلاً من طلب مناشف جديدة يوميًا، وذلك بهدف تقليل استهلاك المياه والطاقة ، قام فريق الباحثين، بقيادة سيالديني، بتقسيم الضيوف إلى مجموعات مختلفة، ووضعوا لافتات في غرف الضيوف تحتوي على رسائل مختلفة تضمنت هذه الرسائل ما يلي:
1-الرسالة الاولى :
نصت على أن إعادة استخدام المناشف سيساعد في الحفاظ على البيئة من خلال تقليل استهلاك المياه والطاقة؛ فكانت النتيجة أنهم وجودا ان 35٪ من الاشخاص فقط استجابوا لهذه الرسالة .
2-الرسالة الاخرى:
نصت على أن معظم النزلاء الذين أقاموا في هذه الغرفة أعادوا استخدام مناشفهم فكانت النتيجة أنهم وجودا ان 70٪ من الاشخاص استجابوا لهذه الرسالة واتخذوا قرار بإعادة استخدام المناشف.
هذه التجربة توضح كيف يمكن استخدام الدليل الاجتماعي كأداة فعالة في تغيير سلوك الأفراد؛ فالناس غالبًا ما يميلون إلى تقليد سلوك الآخرين، خاصة إذا شعروا بأنهم في موقف مشابه؛ مما يبرز قوة التأثير الاجتماعي في اتخاذ القرارات.
وهذا مايفسر عندما يرى شخص ما طابورًا طويلًا أمام مطعم، فيفترض أن الطعام هناك جيد بناءً على عدد الأشخاص الذين ينتظرون، أو عندما نرى الكثير من التقييمات الإيجابية لمنتج معين على الإنترنت، فنميل لاعتقاد أن هذا المنتج جيد.
إذا كنت تعارض هذه النظرية او ترى ان هذا السلوك لاينطبق عليك فأنت غالبا من الـ30٪ الآخرون؛ الذين رفضوا اعادة استخدام المناشف.
وهذا النهج مايحدث بالفعل والمتبع في سوق السيارات سواء كانت سيارات احتراق داخلي ام كهربائي او حتى هيدروجين ؛ لإن اتخاذ القرار لشراء سيارة وخاصة في مصر ليس خيار ترفيهي فبعض الاشخاص لايستطيع تغيير سيارته كل خمس سنوات فقد تمتد معه لاكثر من 10 سنوات والبعض الاخر يغلب عليه ثقافة العيش والملح فيعتبرها سيارة العمر والصديق قبل الطريق وخاصة في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة وأزمة الدولار ؛ فمعظم الناس عندها مخاوف من خوض تجربة جديدة نهايتها غير معروفة ؛ فيتبعون الطريق السهل المضمونة نتائجه.
2-السلعة:سواء كانت السلعة جيدة ام رديئة غالية الثمن ام رخيصة او بها بعض العيوب يمكن التغاضى عنها على حساب شئ آخر ؛ كل ذلك يتفاوت بين الاشخاص بناء على احتياجتهم واولوياتهم ؛ فما يناسب احتياجاتي من السيارة قد لايناسب شخص غيري ؛ فتجد بعض الاشخاص يتجاهلون السلوك النفسي المسيطر الذي ذكرناه سابقا ويركوزن على تفاصيل اخرى بالسلعة .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : متى؟ وكيف؟
متى وكيف ستفرض السيارات الكهربائية سيطرتها على الاسواق وتفرض هيمنتها بالكامل.
بما أن معيار النجاح او مؤشر النجاح هنا هو انتشارها بين المستخدمين وفقا لنظرية الدليل الاجتماعي لروبرت سيالديني ؛ فما هي نسبة الانتشار المقبولة والوسط المثالي المطلوب الانتشار فيه للخروج من عنق الزجاجة؟
هل المستخدمين الذين يقيمون في التجمعات السكنية الراقية ويعملون بالقرب من منازلهم مع ظروف قيادة يومية شبه منتظمة و روتينية وداخل المدينة ؛ هل هذا الوسط يعتد به كمؤشر قوي للانتشار ؟ ام الوسط الذي يخضع للظروف المتغيرة في القيادة ؟
أقرب مؤشر او وسط مثالي ممكن ان يحتذى اليه هو الوسط الذي يقدم خدمات عامة او خاصة غير مدعومة تستهدف الربح؛ مثل التاكسي الكهربائي او سيارات اوبر وكريم ؛ لأن ظروف القيادة هنا غير منتظمة فقد يعمل السائق لفترات ساعات طويلة وقد يضطر للقيادة خارج المدينة لرحلات طويلة وقد يطرأ عليه مشاويرا عاجلة وطارئة لا تستوجب التأخير ؛ فيجب توفير آلية او بنية تحتية تخدم تلك الظروف المتغيرة.
فإذا نجحت السيارات الكهربائية في هذا الوسط ستؤثر بالإيجاب على سلوك الأفراد وثقافة المجتمع نحو اتخاذ قرار شراء السيارات الكهربائية وحينئذ نستطيع ان نقول انها أفلتت من عنق الزجاجة وستفرض سيطرتها في السوق المصري.
وخير مثال على هذا .. هي التجربة اليابانية .
قبل عام 2009 كان عدد السيارات الكهربائية في اليابان محدودًا ويقدر ببضعة آلاف فقط وكانت هذه السيارات غالبًا جزءًا من برامج تجريبية أو تستخدم من قبل الهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة في مشاريع محددة.
ومع بداية ظهور وانتشار سيارات التاكسي الكهربائية في اواخر عام 2009 شهدت مدينة كيوتو اليابانية إطلاق أول تجربة لسيارات التاكسي الكهربائية، حيث تم تشغيل عدد محدود من سيارات التاكسي الكهربائية كجزء من مشروع تجريبي؛ هذه التجربة كانت تهدف إلى تقييم الأداء والقدرة التشغيلية للسيارات الكهربائية في بيئة حضرية.
ومن عام 2010 الي عام 2015 خلال هذه الفترة، بدأت مدن مثل طوكيو وأوساكا في تبني سيارات التاكسي الكهربائية بشكل أوسع، بدعم من الحكومة اليابانية والشركات الخاصة؛ حيث اطلقت شركة نيسان سيارة ليف الكهربائية، التي ، أصبحت واحدة من الطرازات المفضلة لاستخدامها كسيارات أجرة كهربائية نظرًا لمداها المناسب وسهولة إعادة شحنها.
ومن عام 2016 وما بعده ومع وزيادة الوعي البيئي، ازداد عدد سيارات التاكسي الكهربائية في اليابان بشكل كبير جدا ، ومع نجاح تجربة التاكسي الكهربائي وفي عام 2024 بلغ عدد السيارات الكهربائية المستخدمة في اليابان لأكثر من 1.5 مليون سيارة، وهذا يمثل نموا كبير مقارنةً بالسنوات السابقة. هذا النمو الكبير في عدد السيارات الكهربائية يعكس الدعم الحكومي المستمر للسيارات الكهربائية وخاصة دعم السيارات الأجرة و التاكسي وتوسيع بنية الشحن التحتية، بالإضافة إلى تزايد الوعي المجتمعي نحو تلك التكنولوجيا.
كلمة السر هنا تكمن في نجاح تجربة التاكسي الكهربائي ؛ لأنه سيؤثر بالإقناع على أفراد المجتمع وسيغير من رؤيتهم و ثقافتهم نحو تلك السيارات.
ربما بعد 20 عاما سيشهد المجتمع نقاشا وجدلا مماثلا لنفس هذه الظروف الحالية نسخ ولصق ولكن تلك المره نحو السيارات الهيدروجينية .
هل أنت تنتمي إلى الـ 70٪ من الأشخاص الذين أبدوا رغبتهم في إعادة استخدام المناشف أم تنتمي إلى الـ 30٪ الأخرون.